حسين فندي مهنّا

لُغَتُنا العَرَبِيَّة…

لا أدري مَنْ كانَ أوَّلَ النّاطقينَ بِلُغتِنا الجميلةِ،ولكنّي أعلمُ عِلْمَ اليقينِ أنَّهُ كانَ عاشقاً..وأعلمُ أيضاً أنَّ العِشْقَ لا ينتقلُ من عاشقٍ الى معشوقٍ بِنَوحِ مُطَوَّقَةٍ أو بِزَقْزَقَةِ عُصفورٍ أو بِحنينِ ناقةٍ فقط،بل ينتقلُ بِلُغَةٍ أخذتْ من أجملِ الأصواتِ جَرسَها ،ومن أبهى الحروفِ قَوامَها،ومن أبلغِ البيانِ جِلبابَها .

اللّغةُ رسولٌ بينَ عقلينِ وقلبين،فإنْ كانَ أميناً أمطرتِ السَّماءُ قصائدَ شعْرٍ ..وإنْ كانَ خائناً أعولَتْ رياحٌ وغارَتْ نجومٌ وانتحرَ ألفُ قَمَر..اللّغةُ أنْ تَحُكَّ الفِكْرَ بالفِكْرِ لِينتشرَ النُّورُ على الأرضِ،والرِّضى في السَّماءِ..اللُّغةُ أنْ تقولَ للحبيبِ:أنا أُحِبُّكَ وأنْ تقولَ لِمُبْغِضٍ أنا لا أكرهُكَ..وأنْ تقولَ للوَطَنِ:أنا أنتَ وأنتَ أنا،فاحْمِلْني في حياتي على راحتينِ من عِزَّةٍ وكرامةٍ،ووَفَّرْ لي في مَماتي مكاناً ضئيلاً في صَدرِك.

وحين وقفَ أوَّلُ عاشِقٍ على أطلالِ عشيرَتِهِ،بكى واستَبكى واحتارَ بِماذا يُناجي حبيبَتَهُ..لو كانَ زَهْرَةً لَغَمَرَها أريجاً،ولو كانَ قَمَرَاً لأَلقى عليها حُزمَةً من نورٍ،ولو كان عُصفوراً لَغَرَّدَ لها، ولَبَنى عُشَّهُ بينَ راحَتَيها ..ولكنَّهُ ليس كما تَمَنّى..إنَّهُ عاشقٌ عاجِزٌ عن بوحِ ما في صَدْرهِ من كلام .

قالتِ الرّيحُ:ناجِ فتاتَكَ بِلُغةٍ ستكونُ سَيِّدَةَ اللُّغاتِ يوماً،وسينزلُ بها سَيِّدُ الكُتُبِ أجمعين،وسيتحدَّثُ بها خاتَمُ المُرسَلين..قالَتِ الصَّحراءُ:ما هذِهِ إلاّ لُغتُنا العَرَبيَّة، فانفتحَتْ في رأسِ العاشقِ كُوَّةٌ من نورٍ،ونبتَتْ في قلبِهِ شَجَرَةٌ خضراءُ، وراحَتْ تُمْطِرُ في حِضْنِ الحبيبةِ قلائِدَ من شِعْرٍ وياسَمين.  

مقالات أخيرة